فصل: تفسير الآيات (58- 60):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (58- 60):

{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلًا مَا تَتَذَكَّرُونَ (58) إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (59) وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)}
قوله عز وجل: {وما يستوي الأعمى والبصير} أي الجاهل والعالم {والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء} أي لا يستوون {قليلاً ما تتذكرون إن الساعة} يعني القيامة {لآتية لا ريب فيها} أي لا شك في قيامها ومجيئها {ولكن أكثر الناس لا يؤمنون} أي لا يصدقون بالبعث بعد الموت، قوله تعالى: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم} أي اعبد وني دون غيري أجبكم وأثبكم وأغفر لكم فلما عبر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة عن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر «الدعاء هو العبادة» ثم قرأ: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يسأل الله يغضب عليه» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب عن أنس بن مالك قال: «الدعاء مخ العبادة» أخرجه الترمذي وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب؛ فإن قلت كيف قال ادعوني أستجب لكم وقد يدعو الإنسان كثيراً فلا يستجاب له، قلت الدعاء له شروط منها الإخلاص في الدعاء وأن لا يدعو وقلبه لاه مشغول بغير الدعاء وأن يكون المطلوب بالدعاء مصلحة للإنسان وأن لا يكون فيه قطيعة رحم فإذا كان الدعاء بهذه الشروط كان حقيقاً بالإجابة فإما أن يعجلها له وإما أن يؤخرها له يدل عليه ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من رجل يدعو الله تعالى بدعاء إلا استجيب له فإما أن يعجل له به في الدنيا وإما أن يدخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم أو يستعجل قالوا يا رسول الله وكيف يستعجل قال يقول دعوت ربي فما استجاب لي» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وقيل الدعاء هو الذكر والسؤال {إن الذين يستكبرون عن عبادتي} أي عن توحيدي وقيل دعائي {سيدخلون جهنم داخرين} أي صاغرين ذليلين.

.تفسير الآيات (61- 69):

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (61) ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (62) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63) اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64) هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (65) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (66) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (68) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69)}
قوله عز وجل: {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه} أي لتحصل لكم الراحة فيه بسبب النوم والسكون {والنهار مبصراً} أي لتحصل لكم فيه مكنة التصرف في حوائجكم ومهماتكم {إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ذلكم الله ربكم} أي ذلكم المميز بالأفعال الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد هو الله ربكم {خالق كل شيء لا إله إلا هو} أي هو الجامع لهذه الأوصاف من الإلهية والربوبية وخلق الأشياء كلها وأنه لا شريك له في ذلك {فأنى تؤفكون} أي فأنى تصرفون عن الحق {كذلك} أي كما أفكنتم عن الحق مع قيام الدلائل كذلك {يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون الله الذي جعل لكم الأرض قراراً} أي فراشاً لتستقروا عليها وقيل منزلاً في حال الحياة وبعد الموت {والسماء بناء} أي سقفاً مرفوعاً كالقبة {وصوركم فأحسن صوركم} أي خلقكم فأحسن خلقكم قال ابن عباس خلق ابن آدم قائماً معتدلاً يأكل ويتناول بيده وغير ابن آدم يتناول بفيه {ورزقكم من الطيبات} قيل هو ما خلق الله تعالى لعباده من المأكل والمشرب من غير رزق الدواب {ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين هو الحي} وهذا يفيد الحصر أي لا حي إلا هو فوجب أن يحمل ذلك على الذي يمتنع أن يموت امتناعاً تاماً ثابتاً وهو الله تعالى الذي لا يوصف بالحياة الكاملة إلا هو، والحي هو المدرك الفعال لما يريد وهذه إشارة إلى العلم التام والقدرة التامة ولما نبه على هذه الصفات نبه على كمال الوحدانية بقوله: {لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين} أي فادعوه واحمدوه، قال ابن عباس من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين {قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين} وذلك حين دعي إلى الكفر أمره الله تعالى أن يقول ذلك.
قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من تراب} يعني أصلكم آدم وقيل يحتمل أن كل إنسان خلق من تراب لأنه خلق من النطفة وهي من الأغذية والأغذية من النبات والنبات من التراب {ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً} يعني أن مراتب الإنسان بعد خروجه من بطن أمه ثلاث الطفولية وهي حالة النمو والزيادة إلى أن يبلغ كمال الأشد من غير ضعف ثم يتناقص بعد ذلك وهي الشيوخة {ومنكم من يتوفى من قبل} أي من قبل أن يصير شيخاً {ولتبلغوا} أي جميعاً {أجلاً مسمى} أي وقتاً محدود لا تجاوزونه يعني أجل الحياة إلى الموت {ولعلكم تعقلون} أي ما في هذه الأحوال العجيبة من القدرة الباهرة الدالة على توحيده وقدرته {هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون} أي يكونه من غير كلفة ولا معاناة ولا تعب وكل ذلك من كمال قدرته على الإحياء والإماتة وسائر ما ذكر من الأفعال الدالة على قدرته كأنه قال من الاقتدار إذا قضى أمراً كان أهون شيء وأسرعه.
قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله} يعني القرآن {أنى يصرفون} أي عن دين الحق وقيل نزلت في القدرية.

.تفسير الآيات (70- 78):

{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ (78)}
{الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون} فيه وعيد وتهديد ثم وصف ما أوعدهم به فقال تعالى: {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون} يعني يجرون بتلك السلاسل {في الحميم ثم في النار يسجرون} يعني توقد بهم النار {ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله} يعني الأصنام {قالوا ضلوا عنا} أي فقدناهم فلم نرهم {بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً} قيل إنهم أنكروا عبادتها، وقيل لم نكن ندعوا شيئاً ينفع ويضر، وقيل ضاعت عبادتنا لها فكأنا لم نكن ندعو من قبل شيئاً {كذلك يضل الله الكافرين} أي كما أضل هؤلاء {ذلكم} أي العذاب الذي نزل بكم {بما كنتم تفرحون} أي تبطرون وتأشرون {في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} أي تختالون وتفرحون به {ادخلوا أبواب جهنم} يعني السبعة {خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين} يعني عن الإيمان.
قوله تعالى: {فاصبر إن وعد الله حق} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي بنصرك على الأعداء {فإما نرينك بعض الذي نعدهم} أي من العذاب في حياتك {أو نتوفينك} أي قبل أن يحل ذلك بهم {فإلينا يرجعون ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك} أي خبره وحاله في القرآن {ومنهم من لم نقصص عليك} أي لم نذكر لك حال الباقين منهم وليس منهم أحد إلا أعطاه الله تعالى آيات ومعجزات، وقد جادله قومه وكذبوه فيها وما جرى عليهم يقارب ما جرى عليك فصبروا وهذا تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} يعني بأمره وإرادته {فإذا جاء أمر الله} أي قضاؤه بين الأنبياء والأمم {قضي بالحق} يعني بالعدل {وخسر هنالك المبطلون} يعني الذين يجادلون في آيات الله بغير حق وفيه وعيد وتهديد لهم.

.تفسير الآيات (79- 85):

{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (79) وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (80) وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ (81) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآَثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (83) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (84) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (85)}
قوله تعالى: {الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع} أي في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها {ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم} أي تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد في أسفاركم وحاجاتكم {وعليها وعلى الفلك تحملون} أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر {ويريكم آياته} أي دلائل قدرته {فأي آيات الله تنكرون} يعني أن هذه الآيات التي ذكرها ظاهرة باهرة فليس شيء منها يمكن إنكاره.
قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وآثاراً في الأرض} يعني مصانعهم وقصورهم والمعنى لو سار هؤلاء في أطراف الأرض لعرفوا أن عاقبة هؤلاء المنكرين المتمردين الهلاك والبوار مع أنهم كانوا أكثر عدداً وأموالاً من هؤلاء {فما أغنى عنهم} أي لم ينفعهم {ما كانوا يكسبون} أي أي شيء أغنى عنهم كسبهم {فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا} أي رضوا {بما عندهم من العلم} قيل هو قولهم لن نبعث ولن نعذب وقيل هو علمهم بأحوال الدنيا سمي ذلك علماً على ما يدعونه ويزعمونه وهو في الحقيقة جهل {وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون فلما رأوا بأسنا} أي عذابنا {قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين} أي تبرأنا مما كنا نعدل بالله {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده} يعني أن سنة الله قد جرت في الأمم الخالية بعدم قبول الإيمان عند معاينة البأس وهو العذاب يعني بتلك السنة أنهم إذا رأوا العذاب آمنوا ولا ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب {وخسر هنالك الكافرون} يعني بذهاب الدارين قيل الكافر خاسر في كل وقت ولكنه يتبين خسرانه إذا رأى العذاب والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة فصلت:

.تفسير الآيات (1- 7):

{حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (7)}
قوله عز وجل: {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته} أي بينت وميزت وجعلت معاني مختلفة من أحكام وأمثال ومواعظ ووعد ووعيد {قرآناً عربياً} أي باللسان العربي {لقوم يعلمون} أي إنما أنزلناه على العرب بلغتهم ليفهموا منه والمراد ولو كان بغير لسانهم ما فهموه {بشيراً ونذيراً} نعتان للقرآن أي بشيراً لأولياء الله بالثواب ونذيراً لأعدائه بالعقاب {فأعرض أكثرهم} أي عنه {فهم لا يسمعون} أي لا يصغون إليه تكبراً {وقالوا} يعني مشركي مكة {قلوبنا في أكنة} أي أغطية {مما تدعونا إليه} أي فلا نفقه ما تقول {وفي آذاننا وقر} أي صمم فلا نسمع ما تقول والمعنى أنا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع {ومن بيننا وبينك حجاب} أي خلاف في الدين وحاجز في الملة فلا نوافقك على ما تقول {فاعمل} أي أنت على دينك {إننا عاملون} أي على ديننا {قل} يا محمد {إنما أنا بشر مثلكم} أي كواحد منكم {يوحى إليّ} أي لولا الوحي ما دعوتكم، قال الحسن: علمه الله تعالى التواضع {إنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه} أي توجهوا إليه بطاعته ولا تميلوا عن سبيله {واستغفروه} أي من ذنوبكم وشرككم {وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة} قال ابن عباس: لا يقولون لا إله إلا الله لأنها زكاة الأنفس، والمعنى لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد. وقيل: لا يقرون بالزكاة المفروضة ولا يرون إتيانها واجباً يقال الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك، وقيل: معناه لا ينفقون في طاعة الله ولا يتصدقون، وقيل: لا يزكون أعمالهم {وهم بالآخرة هم كافرون} أي جاحدون بالبعث بعد الموت.

.تفسير الآيات (8- 11):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (8) قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)}
{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون} قال ابن عباس: غير مقطوع، وقيل: غير منقوص، وقيل: غير ممنون عليهم به، وقيل: غير محسوب. قيل نزلت هذه الآية في المرضى والزمنى والهرمى إذا عجزوا عن العمل والطاعة يكتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه.
(خ) عن أبي موسى الأشعري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول: «إذا كان العبد يعمل عملاً صالحاً فشغله عنه مرض أو سفر كتب الله تعالى له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم».
قوله عز وجل: {قل أئنكم} استفهام بمعنى الإنكار وذكر عنهم شيئين منكرين أحدهما الكفر بالله تعالى وهو قوله تعالى: {لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} وثانيهما {وتجعلون له أنداداً} إثبات الشركاء والأنداد له والمعنى كيف يجوز جعل هذه الأصنام الخسيسة أنداداً لله تعالى مع أنه تعالى هو الذي خلق الأرض في يومين يعني الأحد والاثنين {ذلك رب العالمين} أي هو رب العالمين وخالقهم المستحق للعبادة لا الأصنام المنحوتة من الخشب والحجر {وجعل فيها رواسي} أي جبالاً ثوابت {من فوقها} أي من فوق الأرض {وبارك فيها} أي في الأرض بكثرة الخيرات الحاصلة فيها وهو ما خلق فيها من البحار والأنهار والأشجار والثمار وخلق أصناف الحيوانات وكل ما يحتاج إليه {وقدر فيها أقواتها} أي قسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم وقيل قدر في كل بلدة ما لم يجعله في الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة وقيل قدر البر لأهل قطر من الأرض والتمر لأهل قطر آخر والذرة لأهل قطر والسمك لأهل قطر وكذلك سائر الأقوات.
قيل إن الزراعة أكثر الحرف بركة لأن الله تعالى وضع الأقوات في الأرض قال الله تعالى: {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام} أي مع اليومين الأولين فخلق الأرض في يومين وقدر الأقوات في يومين وهما يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فصارت أربعة أيام رد الآخر على الأول في الذكر {سواء للسائلين} معناه سواء لمن سأل عن ذلك أي فهكذا الأمر سواء لا زيادة فيه ولا نقصان جواباً لمن سأل في كم خلقت الأرض والأقوات {ثم استوى إلى السماء} أي عمد إلى خلق السماء {وهي دخان} ذلك الدخان كان بخار الماء، قيل كان العرش قبل خلق السموات والأرض على الماء فلما أراد الله تعالى أن يخلق السموات والأرض أمر الريح فضربت الماء فارتفع منه بخار كالدخان فخلق منه السماء ثم أيبس الماء فخلقه أرضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبعاً.
فإن قلت هذه الآية مشعرة بأن خلق الأرض كان قبل خلق السماء وقوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} مشعر بأن خلق الأرض بعد خلق السماء فكيف الجمع بينهما.